أطاحت الثورة بنظام مبارك، وانحسرت الأضواء عن غنيم لتنصب على ما أنجزه الشعب. إلا أن الأضواء عادت إلى غنيم مجددا، ولكن خارج مصر فى هذه المرة، وتحديدا فى الولايات المتحدة الأمريكية، التى اتهم من قبل بـ«العمل لصالحها»
غنيم الذى غاب عن أمريكا لنحو عشر سنوات، حل ضيفا على جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا، حيث ألقى محاضرة بعنوان «الثورة ومستقبل مصر».
عجزت القاعة التى تتسع لأربعمائة شخص عن استيعاب الحضور، وهو ما دفع العشرات إلى البقاء خارجها على آخرها، والذين كان غالبيتهم من المصريين، يشاركهم أعداد كبيرة من الأمريكيين والعرب.
بدأت المحاضرة بعرض فيلمين تسجيليين عن الثورة المصرية وعن أحلام الشباب لمستقبل مصر، ليسود القاعة شعور بالتفاؤل والبهجة، لم يمنع غنيم من الإعراب عن حزنه على ضحايا الثورة، الذين قضوا على أيدى رجال الشرطة، وقال وائل: «كنت أنوى أن يكون الحديث الليلة خفيفا مرحا، لكننى كلما رأيت هؤلاء الشباب، أعجز عن دفع الحزن عن نفسى، فقد ماتوا على إثر فكرتنا». ولكن تدريجيا تغيرت نبرته مع تجاوب الحضور واتسمت المحاضرة بخفة الدم فعلى الرغم من أنّها كانت بالإنجليزية فإن بعض القفشات المصرية تسربت إلى اللقاء.
وقال غنيم إنه لم يكن يتصور هو ومن معه أنّ الأمر سيصل إلى إسقاط الحكومة بالفعل وتنحى الرئيس. فقط أرادوا أن يضغطوا على الحكومة ليتفاوضوا ويحسنوا أداءهم. لكن الإقبال الشعبى دفع الشارع إلى الارتفاع بسقف مطالبه. «الشعب المصرى بطبيعته منافس، ولما رأى نجاح الثورة التونسية تحمس وتساءل: لم لا؟»، ويضيف: «الثورة كانت ثورة شعب، والجميع ساهم فيها من أول الرجل الذى وقف أعزل أمام مدرعات الشرطة، وصولا إلى ناشرى المطبوعات والمدونات وحتى النكات. فحتى مؤلف النكتة ساهم فى نجاح الثورة». ويكرر غنيم: «لست بطلا إنّما كنت واحدا من العديد من الناس الذين ساهموا فى الثورة».
وعن سبب زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية قال: «أردت أن أشجع الناس على الاستثمار فى مصر، وأطمح فى إجراء عدد من المقابلات مع بعض المسئولين فى شركات التكنولوجيا، وأدعوهم إلى أن ييسروا الكمبيوتر للمستخدم العربى، وهو ما قد يؤدى إلى زيادة التعليم والوعى والإنتاج».
وموجها حديثه إلى المصريين الذين دعاهم إلى «مساعدة بلادهم» قال: «لا تضعوا المال تحت البلاطة. استثمروا فى مصر»، وتحول إلى الحديث عن السياحة فى مصر، وتطرق إلى حوار دار بينه وبين أحد العاملين فى القطاع، والذى لام على الثوار واتهمهم بالتأثير على السوق السياحية «قال لى العامل: ارحمونا أنا غير موافق على ما تعملون، فقلت له إنها حملة تطهير لابد منها ثم تستقيم الأمور».
وقال غنيم إن أسوأ ما فى النظام السابق «أنه جعل المواطن العادى غير مهتم بتاريخ بلده»، مضيفا: «زوروا مصر، فهناك نحو مليون ونصف المليون مصرى يعملون فى مجال السياحة والحركة ضعيفة الآن وهم بحاجة إلى دفع العجلة إلى الأمام»، وتابع: «زيارة مصر أصبحت مسئولية وليست خيارا على المصريين فى الخارج». ثمّ وجه كلامه للأمريكيين: «تعالوا إلى ميدان التحرير المتميز لدرجة أن يقصده السياح» وإذا خشيتم أن تزوروا الميدان، تعالوا إلى شرم الشيخ. فقد أخرجنا كل القروش منها». وعاد ليوجه حديثه للمصريين: «إذا فكرتم فى العودة لمصر فهناك ملايين الأفكار يمكن تحقيقها، فإن لم تتمكنوا من المشاركة بثروتكم شاركونا بالخبرات، الطبيب يمكن أن يعالج بعض الحالات، المعلمة يمكن أن تساهم، كلكم أدرى بما يمكنكم تقديمه.أنا أعلم أنكم ساندتم الثورة ولكن مصريى الداخل لابد أن يعلموا عن مسانداتكم وإلا ترسخ لديهم الاعتقاد أنّكم لا تقدمون لهم شيئا، وأنتم لم تأتوا الليلة لتشاهدوا (المطربة) ليدى جاجا بل أتيتم لمستقبل مصر».
وفى نهاية المحاضرة، ألقى عدد من الحضور مجموعة من الأسئلة حول الأوضاع فى مصر. وفى رده على سؤال حول المرشح الذى سيدلى بصوته من أجله فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، قال غنيم: «لن أجيب عن هذا السؤال، لأننى لا أرغب فى التأثير على رأى أى شخص، وكل ما يمكننى قوله إن الأمر يعتمد على البرنامج الانتخابى لكل مرشح، وعلى كل مصرى البحث والقراءة والموازنة حتى يصل إلى الرأى الذى يرتاح إليه، ولابد أن ينصب تركيزنا الأساسى على أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة».
وتطرق أحد الحضور فى سؤاله إلى «الأخبار الكاذبة التى تملأ بعض الصحف وتنتشر على موقعى «فيسبوك وتويتر» ، قال غنيم: «حين أطالع الأخبار آخذ نفسا عميقا وأنتظر لأهدأ ولتظهر الحقيقة كاملة، ثمّ أقرأ آراء بعض المصادر التى أثق فيها وأستخدم عقلى لمعرفة من الصادق، وعلى سبيل المثال، فى أعقاب حادثة خالد سعيد، انتظرت لنحو ثلاثة أيام حتى أتأكد من الخبر قبل أن أنشئ صفحة (كلنا خالد سعيد).
وفى رده على سؤال عن حالة الأمن فى مصر قال:«مما لا شك فيه أن الأمر ليس بالسوء الذى تصوره وسائل الإعلام، فمعدلات الجريمة زادت ولكنّها ليست بهذه الضخامة.. الناس تسير فى الشوارع آمنة، والجرائم تحدث فى مناطق معينة لكن ليس فى مصر كلها».
وعن المعتقلين السياسيين لماذا لا ينادى بمظاهرة مليونية لإخلاء سبيلهم أجاب: «بالفعل أرسلنا للجيش، وجار البحث عن أى محتجز، كما أن هناك من يتولون هذه الأمور لكنى حريص أن يتم ذلك فى إطار يحافظ على العلاقة الطيبة بين الشعب والجيش، فليس من مصلحة أحد أن نسىء إليهم، أو أن ننتقد أداءهم».
وعمن وصفهم سؤال بـ«الأصوليين» قال: «هذا التعبير يذكرنى بأحداث الحادى عشر من سبتمبر فى أمريكا، حين صار التعميم هو الأصل. فأسىء لجميع المسلمين وخصوصا فى المطارات لخطأ ارتكبه البعض، وخصوصا إن كان مثلى يبدو مصريا أو باكستانيا. أنا أرى أنّ هذا التعميم خطأ، فجماعة الإخوان المسلمين جماعة أحترمها ولا أنتمى إليها ويجب أن أكرر ذلك لأنّ بعض الإعلاميين قد ينشر غدا أنّ وائل من الإخوان، فأنا أكرر أننى لا أنتمى لأحد وقد أختلف معهم فى أشياء كثيرة لكنى أحترمهم، أما السلفيون فلا ننسى ما تعرضوا إليه من قهر وسوء معاملة أيام حكم مبارك فقد كانوا مضطهدين ويسجنون ويعذبون. ولأول مرة يتنسمون هواء الحرية، وأنا أؤمن بالحوار معهم.. يجب أن نفسح لهم المجال لعرض أفكارهم. نسمعها ونتعرف عليها. أعرف أنّ بعض الأخبار تنشر عن قطع الأذن وغير ذلك، وأنا لا أعلم كل التفاصيل ولكن أعلم أنّ الأمر أخفق فيه الإعلام.. فالإعلام لم يستوعب بعد أنّ مصر تغيرت وما زالوا يتعاملون مع ما يحدث بعقلية النظام السابق».
اقترب من مايكروفون الأسئلة شاب ليبى وشكر شباب الثورة (المصرية)، وقال: «أردنا أن نتنسم الحرية مثلكم. أردنا ثورة، لكن انتهت إلى دماء. أهل ليبيا ما زالوا ينزفون ونحن هنا ننزف لأجلهم. وسنحرر بلادنا لنلحق بالعالم. أشكركم وأشكر الجميع ولن نرتاح حتى نحقق أحلامنا ونقضى على الفساد».
وعلق غنيم: «يجب أن نشكر تونس، فهم الذين بدءوا، ولكن نحن جذبنا أكبر انتباه لأننا بطبيعتنا أكثر ضوضاء».
وتحدث شاب سورى عن الثورة السورية وعن قتل المتظاهرين، فقال غنيم: «هؤلاء (الحكام) مجرمون. بغض النظر عن السبب. قتل المتظاهرين المسالمين غير مقبول. هؤلاء الناس سيحاسبون. لا أحد يأخذ حق شعب».